صديق قديم زارني اليوم قائلا
"ألا اسقني كأسا نجدّد بها العهدا
رأيتك تجفوني فسافرت راحلا
ظننتك قد أضمرت عن سمري زهدا
تشرّدت في الدنيا أسير بلا هدى
و أسهر في إحصاء أيّامنا عدّا
و في كلّ قفر ألتقي من عشيرتي
أخا منكرا يشتدّ في جفوتي لدّا
يقولون: ما كان الوفاء سجيّة
لنا، ليس انسيّ لذي لهب ندّا
تانّست يا هذا و انسيت خلقنا
فليس حريّا أن تبادله الودّا
أ لست ترى أن قد جفاك فما دهى
فؤادك يا ابن النار كي لا ترى حقدا
فأصمت حتّى ييأسوا أن أجيبهم
يقولون محتارين:" صرت له عبدا؟"
ختمت شياطين القريض و لم أجد
سواك بوحيي طامحا أن يرى المجدا
ظللت على صبري إلى اليوم ناظرا
دعاك فتلقى ما ستحمد لي رفدا
فيا ليت شعري ما أعادك لي، أ لم
تبدّل بعين الشعر مستنقعا وردا"
أ لم تر شيطاني العزيز صبابتي
إليها قد استشرت و ما بلغت حدّا
لأشفى رأيت الحلّ اغفال ذكرها
و أقسمت أن أبلو لذلك جهدا
أبا مسحل ما كنت تفتر ساعة
و لا بعضها عن ذكرها قائلا حمدا
تذكّرني وحيا قديما بثثته
و نسيانه أبغي فترهقني ضدّا
فآليت هجرانا لأنقذ مهجتي
أسدّ أمام الخور باب الأذى سدّا
تركت جميع الذكريات مهاجرا
و ذاك أراه كان حزما ولا جحدا
فعفوا فانّي ما قصدت تجنّفا
و لكنّ ترياق الهوى يقتضي الجدّا
تصاممت عن نجواك لي متعمّدا
فقصد شفاء القلب أبدلته صلدا
تركت ملذات الحياة جميعها
و أبت إلى قدّيستي أطلب المدّا
و لاقيت في خرط القتاد شدائدا
و أعطيته روحي فكان لها عقدا
و ها أنذا أبللت من علّتي و لم
أجد من مكان الشعر في الروح لي بدّا
و ما لذّة الدنيا سوى خلق عالم
تشمّ به مسكا و تسقى به شهدا
فأترك جسمي باقيا جثّة ترى
إلى الملأ الأعلى أحلّق فردا
أكون الها لا حدود لسطوتي
إذا قلت"كن" من يستطيع لها ردّا
و أرجع نشوان الفؤاد مفكّرا
بترحالي التالي إلى حيث لا أردى
ألا أوح"ابنة الفكر المهذّب في الدجى"
لعلّ طريق الشعر تمنحني الخلدا
29/06/2007