الثلاثاء، 11 مارس 2014

لا تلمسيني

« Noli me tangere, nondum enim ascendi ad Patrem meum » (Evangelium Secundum Ioannem, 20:17)
"لا تلمسيني، فإني لم أصعد بعد إلى أبي" (إنجيل يوحنا، 20:17)


لا تلمسيني يا أخيّة
لست من حفظت جميع صفاته عيناك
لست أنا الذي غسل الخطيئة عن ثيابك
لست قاهر سبعة سكنوك
بل أنا ذاك من تنبو لرؤيته القلوبْ
أنا من طرحتم فوقه كلّ الخطايا
ما جنى آباؤكم وجنيتمُ
أنا من جلدت النفس حتّى أهدرت ما بينكم
ما جفّ بعد دمي المعلّق في الصليبْ
لم تمسكي منّي سوى نثر الرياح
"معلّم" أو "منقذ ومخلّص"
لم تعرفيني يا أخيّة
لم تري منّي سوى ما أخبرت عيناك
أنت وهُم سواء، ما خلا نور دفين فيك
حقّ عليّ أن أراقب زرعه المخضرّ لمّا يستوي
إذ ليس ثمّة بيننا ملقى قريبْ
أنا زائر الليل
عند الصباح تسافر الأفلاك
أحملها معي في غور قلبي
سائلين متى نرى يوما بلا شمس
علّنا نطلي السماء بلوننا
أنا فاقد الطوْل
أمشي بلا خطو
أسيح ولا أراوح مسكنا
أحكي بلا نطق
ولا تصغون لي حتّى وإن شاهدتم الغصن انثنى
أبكي بلا عين
ودمعي عندكم حلو الجنى
أنا جئت للكلّ
وزّعت نفسي بينكم
أنشدتكم ظلماتها...أهديتكم أنوارها
جوعا إليكم يا بني أمّي
لكي أشفى من الشوق العظيم لضمّكم
لا تلمسيني يا أخيّة
فقد قُتل المكان على الصليب
فقدت نفسي برهة، حتّى الأحدْ
ما كنت أدري موطني
قد أشفقت من حملِيَ الغبراءُ
وارتعشت للمس أصابعي الخضراءُ
عدت الآن إذ فني الجسدْ
لا تلمسيني يا أخيّة
قد مضى عَجِلا زماني بينكم
إن تبصرين سوى سراب ناطق
والبحر فارقه الزبدْ
أنا ذاهب لأبي...
سيأخذني ويأويني إليه
ماسحا عنّي غبار الأرض
يُسكنني بقلبه
حيث أبقى ناظرا نحو الأبدْ
لا تلمسيني يا أخيّة
قد طوت أيديكمُ ذكري
وألقته على حجُب السّدُمْ
لا تلمسيني يا أخيّة
لم أكن إبنا لكمْ



السبت، 15 فبراير 2014

قصائد لغير أهلها

هـــنّ القــوافــي وإن لـــــم
يـــــكـــنّ للشـعــر أهـــــلا
قــل ما تــشــاء وفـــتّـــــت
شـغــاف قـــلــبـك رمـــــلا
اخـــلـــق عـــوالــم سـحــر
من ســكــرة الــحلم جــذلى
وارســـم مــدائــن نــــــور
مـنـيـعــة لــــيـس تـــبـــلى

واصنع سـمــاء عــلى الأر
ض بــالأغــانـــي حــبــلى
ثـــمّ اهــــد ذاك جـمــيــــعا
عـرائــس الفـكــر قــــــولا
فــلــن تــرى غير صمـــت
كالنـطــق بالمــوت يُـمـلـى
أو ضـحـكـة كـتـمـت عنــــ
ــك تـمــلأ النـفـس وحــــلا
يا قــائــل الشعـــر أقــصـر
فــلــســـت تـدرك وصـــلا
لـيــس الزمـــان لــمجـنـــو
ن نــاشــدٍ طـيــف لــيـلـــى
فــلا تــبــــح بــهـــيــــــــام
تــقــيّـــــة مــنـــك أولــــى
لا تـــلـــق نثـــرا ولا شعـــ
را، قـــل لــنـفـسـك: مـهــلا
لا تــمــنـــــح الـخـلــــد إلا
لــمــن تـــحــــلّ الـقـتـــــلا


الأحد، 19 يناير 2014

انفصام يشبه الشعر

خيانتان...
في هدوء شارب السمّ أعبّ منهما
لا بأس، لولا بعض ملح ناقص يزعجني
بلا بهارات تصيران رغيفا باردا
جرحان...
من بروتس النبيل نجلاء
لم يزل على مرّ السنين سيّد الطعنات
أمّا عندما كانت لها تالية
فليس منها فيك إيلام
فناءان...
لقد نسوا تعليق ما أنشده فحل خفيّ الإسم والأصل
وأهديت إلى غانية ريشة سيرانو
تخاتلان...
قهوة رديئة بفنجان مذهّب
لها خُمارها، نعم، ولكن ما الذي يهمّ؟
كلّ المتفرّجين منتشون، فابتسم لهم
مدهامتان...
مقلتا صبيّة ليس لها غد
تلاعب الرياح، تخلق النسيم
تغسل الضياء، تصنع الشموس
غير أنّ أنوارهما قد سرقت قبل ولادة عسيرة
وشاحان...
بلونيك اللذين ما عرفت حدّ أرجائهما
مداد شِعر هارب من عصره
تخطّه ريشة نورس أضاع بحره
مرجأتان...
فرحة كنت تمدّدت بفيئها
وصرت تعبر الصحراء ناشدا لقاها
أمل المحتضر الأخير في رحيل زائر ثقيل
توأمان...
رجع عزم آبق من ظلّه
ما الماء مثل الماء
لا، ولا الغراب كالغراب
إن تكن تنظر في مرآتك التي تشظّت
جنّتان...
في اليمين، في الشمال
لكنّك عالق ببرزخ يحول دون أن يلتقيا
تنتظر الفأرة كي ينهدم السدّ
تكذّبان...
بالأسطورة الّتي كتبتها
بكلّ الناس، كلّ الأغنيات
كلّ ما فيك
حسامان...
وغمد واحد
فاترك لكي يصدأ ما كان كهاما
مقتلان...
فاختر ما يعجّ منهما بموسيقى السماء
راحتان...
فاسلك التي يكون جسرها من تعب ومن دم ومن دموع
نجمتان...
منهما واحدة تهديك للدرب
جنونان...
حياتان...
تذوبان...

لكي تكون أنت ما تريد...
19/2/2014

البحث عن ريما

عشرون عاما في المحطّة
أزجر الغربان في وُكناتها
وسوادها يأبى الجواب عن انتصاف السادسَه
عن ظهر قلب صرت أحفظ ما حكته الريح
حتّى تاه في جسدي المذاق المرّ
واضطجعت إلى ظلّ الصدى كلّ الأغاني العابسه
ما كان كان...
تعبت في إخباره أن "كان" حتّى لا "يكون" في الغد
غير أنّه لا يزيد عن التبسّم مشفقا
حتّى إذا لم يستطع صبرا، سالت الضحكات رملا
يردم القبر المعدّ له
ويسكنني إلى أجل كلانا لا يسمّيه
لمّا يشوب الغيم ذاكرة
تأكّد أنّه لا غيث في الآفاق
لا...لا شيء غير تعملق الصدأ المعشّش فيك
يرحل نحو وجهك كي يراه كلّ مار
بتّ تسأم من تكرّر لعبة لا تنتهي
يدميك لمّا أنت تدميه
عشرون عاما بين هجرتها وبين رجوعها
شمس تقلّب نفسك العطشى حين هجوعها
أم رجعة لمسيحك الفادي قُبيل قيامة
والارتواء للحظة تتلو جفاف دموعها؟
طيف سرى أو هامة تصدى
يقين صادع أو هزّة جذلى
تخالك لست تدري...
لا تريد الآن أن تدري...

فخذ عجلا دثارك، ربّما تخفي افتضاح خضوعها
وجه بطين الأرض يغتسلُ
وجديلة شقراء
منها يُضفر الأملُ
وربائط محلولة
يقفو، إلى بعد الكلالة، ركضها الأزلُ
أرجوحتان تُدلّيان أشعّة النجمات
توقد منهما الأنفاس كلّ شموعها
لا تختنق بغثاثة التفصيل
لا تَنشد بقايا دمعة في اليمّ
لا تبقى سوى ذكراك
إن نَضُبت، وأنت مغيّب، فلتختلق ماء
أضف قَطرا أو انقصه
لكن لا تسل مرآتها عنها
فلن يرضيك أيّ جواب
ليست سواك فخُطّها
في الرمل، في الأشجار...
في الصرخات، في الأخبار...
في الهمسات، في الأسرار..
فاكتبها، تكن
وتكون أنت، نظير نفسك

واحدا، فصلا لكلّ خطاب




10/1/2014

حلم منتصف الشتاء

أغمـــض عيونــــك واستـــنــم لخيالـــــــــهـا
وادفن سوادك في بــــحـــــار رمالـــــــــــــها
سمراء من زمن الغضـــــاضــــــة ترتــــوي
حتّى يـــذوب حــــيــــــــاؤهـــــا بدلالــــــــها
نــجـم يـمــــرّ عــلــى سـمائــك عابـــــــــــرا
لا تســــــــأل الأحـــــلام عـــن ترحــــالــــهـا
هي ساعـــــة فيـــــــها ينــــام الدهــر عنـــــــ
ــــك فعـــش بـــها حتّى غـيــاب ظــلالـــــــها

واضمم جنـــــاحك واســتــكــن حتّـى ترتــــــ
ــّــــل فـــيــــك بـــرء النـفــس من أوجـالـــها
واقـبــض عــلى الجــمــرات ما نثرت فمـــــا
دفء الشـتـــاء ســوى اقــتــــبـــاس مقــالـــها
وارسم سرابـــك من خـــواصــــر ضحـكــــة
أو من بــدايــــات تــــرى لــــهـــــلالـــــــــها
واصنع يـــقـــيـــنـــك، أيّها المحتـــــار، مـــن
تـــلــــك الشــــكوك عــــــلى ذرى آمــــالـــها
لا تــنـــس آخر نايهــــا المســــحــــــور: "لا

تـــطلب من الأشـــيـــــاء غــير مــحـالــهـــا"




14/12/2013